
قصيدة الشاعر عمر الفرا الرائعة للوطن
طيور البر تلف الكون وتعاود لأرض الهاجرت منها
السمك تعبر خليج الموت قبل الموت.. وتعاود مكامنها
النجم إلها مساكنها, والحجر إلها معادنها
الشجر تسقي بأرض وحده مفاتنها
إلا الناس ، عجيبة الناس تعيش الغربة بالغربة ولا تذكر مواطنها
الوطن يا بني شبيه الأم, إن رادت ترضع وتفطم وإن رادت توهب وتحرم.
بأي حالة اسمها الأم..
الوطن يسكن خلايا الدم.. غريزة تسري عبر الدم
لما نموت بالغربة.. تظل الروح تلفانة حزينة, مشردة بالهم..
الوطن عزة وكرامة وصحوة الوجدان...
الوطن صبر وعزيمة وقوة الإيمان...
الوطن يا بني ما هو لفلان وابن فلان وقلب فلان...
الوطن يا بني ما هو طابع ولا هاتف ولا عنوان..
الوطن يا بني ما هو سايب, يصير بلحظة مجنونة لأي من كان..
الوطن للي جذوره مثبتة بتاريخ يتزاحم مع الأزمان...
الوطن للي يخلي الصحرا مخضرّه, ويزرع بالصخر بستان...
الوطن للي سما حتى وصل مرحلة إنسان..
الوطن ساكن عشق بينا ولو غبنا..
الوطن للي بنى اللبنة على اللبنة..
الوطن للي لأجل أرضه نذر نفسه..
ورخص بابنه,
الوطن للي يرد الغارة بالغارة....
على الله توكل وجابه, وأبد ما تنطفي ناره..
الوطن يا بني رقم واحد وبعد مية يجي العالم..
الوطن ناموس لليخجل...
بنهايتها الوطن يا بني...
الوطن عرض البني آدم
الشاعر محمد مهدي الجواهري
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا *** وسرت قصدك لاخبّاً ولامذقا
وما وجدت إلى لقياك منعطفا *** إلا إليك .. ولا ألفيت مفترقا
كنت الطريق إلى هاوٍ تنازعه *** نفس تسدّ عليه دونها الطرقا
وكان قلبي إلى رؤياك باصرتي *** حتى اتهمت عليك العين والحدقا
شممت تربك أستاف الصبا مرحا *** والشمل مؤتلفاً * والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا *** لكن كمن يتشهّى وجه من عشقا
قالوا دمشق وبغداد فقلت هما *** فجر على الغد من أمسيهما انبثقـا
ما تعجبون ؟ أمن مهدين قد جمعا *** أم توأمين على عهديهما اتفقا؟
أم صامدين يرُبّان المصير معا *** حبّاً ويقتسمان الأمن والفرقا
يهدهدان لساناً واحداً ودماً *** صنواً ومعتقداً حراً ومنطلقا
أقسمت بالأمة استوصى بها قدر *** خيراً ولاءم منها الخَلق والخُلقا
من قال أن ليس من معنى للفظتها *** بلا دمشق وبغداد فقد صدقا
فلا راعى الله يوماً دسّ بينهما *** وقيعة ورعى يوميهما ووقا
يا جلق الشام والأعوام تجمع لي *** سبعاً وسبعين ما التأما ولا افترقا
ما كان لي منهما يومان عشتهما *** إلا وبالسؤدد من كأسيهما شرقا
يعاودان نفاراً كلما اصطحبا *** وينسيان هوى كانا قد اغتبقا
ورحت أطفو على موجيهما قلقا *** أكاد أحسد مرءاً فيهما غرقا
ياللشباب يغار الحلم من شر *** به وتحسد فيه الحنكة النزقا
وللبساطة ما أغلى كنائزها *** قارون ينفق فيها التبر والورِقا
تلم كأسي ومن أهوى وخافقتي *** وما تجيش وبيت الشعر والورَقا
أيام نعكف بالحسنى على سمر *** نساقط اللغو فيه كيفما اتفقا
إذ مسكة الربوات الخضر توسعنا *** بما تفتق من أنسامها عبقا
إذ تسقط الهامةُ الإصباح يرقصنا *** وقاسيون علينا ينشر الشفقا
نرعى الأصيل لداجي الليل يسلمنا *** ومن كوى خفرات نرقب الغسقا
ومن كوى خفرات تستجد رؤى *** نشوانة عن رؤى مملولة نسقا
آه على الحلو في مر نغصّ به *** تفطرا عسلاً في السم واصطفقا
يا جلق الشام إنا خلقة عجب *** لم يدر ما سرها إلا الذي خلقا
معذبون وجنات النعيم بنا *** وعاطشون ونمري الجونة الغدقا
إنا لنخنق في الأضلاع غربتنا *** وإن تنزّلت على أحداقنا حرقا
وزاحفون بأجسام نوابضها *** تستام ذروة عليين مرتفقا
نغني الحياة ونستغني كأن لنا *** رأد الضحى غلة والصبح والفلقا
يا جلق الشام كم من مطمح خلس *** للمرء في غفلة من دهره سرقا
وآخر سلّ من أنياب ذي لبد *** وآخرٍ تحت أقدام له سحقا
دامٍ صراع أخي شجوٍ وما خلقا *** من الهموم تعنّيه وما اختلقا
يسعى إلى مطمح حانت ولادته *** في حين يحمل شلواً مطمحاً شنقا
حران حيران أقوى في مصامدة *** على السكوت وخير منه إن نطقا
كذاك كل الذين استودعوا مثلاً *** كذاك كل الذين استرهنوا غلقا
كذاك كان وما ينفك ذو كلف *** بمن تعبد في الدنيا أو انعتقا
دمشق عشتك ريعاناً وخافقة *** ولمّة والعيون السود والأرقا
وها أنا ويدي جلدٌ وسالفتي *** ثلج ووجهي عظم كاد أوعرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة *** دمي ولحمي والأنفاس والرمقا
تموّجين ظلال الذكريات هوى *** وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا
فخراً دمشق تقاسمنا مراهقة *** واليوم نقتسم الآلام والرهقا
على المدى والعروق الطهر يرفدنا *** نسغ الحياة بديلاً عن دم هرقا
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت *** سبائك الذهب الغالي فما احترقا
وعند أعوادك الخضراء بهجتها *** كالسنديانة مهما تساقطت ورقا